عن دار الشرق للطباعة والنشر صدر حديثاً كتاب "نحو مجتمع معرفي" للدكتور هزوان الوز.
صدر الكتاب بطبعته الفاخرة ضمن ما يزيد على مئتين وثلاثين صفحة من القطع المتوسط، وقدم له د. نبيل طعمة قائلاً:
وحينما نتجه لعالم مؤلفنا الفكري ماذا نجد.. إن جُل اهتمامه وقع بين مناظير العلمية الثقافية والمفاهيم الاجتماعية، وهذان المحوران يتجهان صوب نتيجة ذات قيمة نوعية ترنو إلى تطوير الفكر الإنساني، وإني إذ أقدم للباحث والمفكر الدكتور هزوان الوز أجده إنساناً تتصاعد تأملاته على سلم المعرفة التي أقول فيها: إنها معادلة قادمة من اتحاد العلم التخصصي مع حاجات الفهم الاجتماعي، والنتيجة تؤدي إلى تطوير جملة الحواس السبع الخمس الطبيعية والاثنتين الاستثناء، أي: الحاسة الناطقة والحاسة العاقلة والتي في مجموعها تؤسس لظهور عالم الجمال، ولا يمكن لأي مجتمع باحث عن التطور أن يتطور إلا بامتلاك علم الجمال.
وتمحورت موضوعات الكتاب في صلب الموضوعات التالية: الموجة الثالثة وأسئلة برسم الجميع. العولمة وتحدياتها. البحث العلمي والعولمة ووسائل الاتصال. نحو مجتمع معرفي. ما هي المعرفة. وهل تحتاج إلى إدارة ؟. مفهوم استراتيجيه وإدارة المعرفة. أوعية المعرفة. ثقافة المعرفة وأخلاقياتها. رأس المال المعرفي. الاقتصاد المعرفي. بيئة العمل المعرفي. خريطة العقل. الخريطة المعرفية والتعليم. الذكاء الاصطناعي. إدارة الإبداع والابتكار..
يقول الكاتب تحت عنوان الموجة الثالثة وأسئلة برسم البيع: "ومنذ بدء الخليقة حتى الآن، عرفت الإنسانية موجتين كبيرتين من التغيير، كلٌّ منهما ألغت، إلى حدٍّ كبير ثقافات، ومدنيات سابقة، وأحَلَتْ محلها صُوَرَ حياةٍ لم تكن تُدرِكُها الأجيالُ القديمة. أما الموجة الأولى - أي الثورة الزراعية - فقد امتدّت آلافاً من السنين. وأما الموجة الثانية - وأعني بذلك انطلاق الحضارة الصناعية فقد اقتضت نحواً من ثلاثمئة سنة، وكانت كافية. أما اليوم، فإن تسارعَ خطوات التاريخ، أكثر بروزاً. ومن المرجَّح أن تقوم الموجة الثالثة، وتصبح واقعاً مقرّراً، في خلال عدة عشرات من السنين، وعلى ذلك، فإن الذين سيسكنون هذا الكوكب في مثل هذه اللحظة الحرجة سيعيشون ويشهدون صدمة الحضارة الثالثة.
وستحمل الموجة الثالثة معها، صورة حياة تتجدّد بأصالة وتستند إلى موارد متنوعة من الطاقة، قابلة للتجدد وطرق إنتاج تستبدل بأكثر سلاسل التصنيع المعهود في المصانع الحالية، نموذجاً جديداً للصناعة وبمؤسسة لم يَرَها أحد من قبل يمكن أن نسميها باسم (البيت الإلكتروني) وتملك هذه الحضارة الجديدة، مفاهيمها الخاصة، في الزمان والمكان، والمنطق، والسببية، وكذلك تملك مبادئها الخاصة فيما يتصل بسياسة الغد".
هذا المقطع من كتاب (إنشاء حضارة جديدة - سياسة الموجة الثالثة) للمؤلفين الفين وهيدي توفلر الصادر عام 1995م ، حيث كتب مقدمته نيوت جينكريش رئيس الجمهوريين في ذلك الوقت، قال فيها:"ومنذ عشرين سنة، مازلنا نعمل معاً في محاولة لإنضاج سياسةٍ، شديدة العناية بالمستقبل، وحريصة على إفهام أو توعية جماهير الشعب، مما يساعد على الانتقال بالولايات المتحدة من حضارة الموجة الثانية المريضة بشكل واضح، إلى حضارة الموجة الثالثة، التي ترتسم أمامنا، وتطل علينا برأسها، والتي يجب أن نتجه إليها، حتى ولو بقيت، من نواح مختلفة، غير مُعرَّفة بوضوح، وغير مفهومة".
وفي هذا العالم المنقسم إلى ثلاثة عوالم، عالم الموجة الأولى الذي يقدم الموارد الزراعية والمعدنية، وعالم الموجة الثانية الذي يقدم يداً عاملة رخيصة، على حين أن قسماً من الموجة الثالثة، يسرع في الانتشار، يقيم سلطانه على صور جديدة من خلق المعرفة واستغلالها، نطرح السؤال الأول: فوق أي موجة سيبحر العرب ؟
وفي الفصل الثالث الذي يحمل عنوان (البديل الأخير) يطرح المؤلفان أهمية العنصر المعرفي في حساب "رأس المال" الضروري للإنتاج، ويوضحان أن الثورة المعلوماتية في عالم الموجة الثالثة أدت إلى التقليل من الحاجة إلى رأس المال إذا حُسب ذلك على أساس القطعة المنتجة، ويذهبان أبعد من ذلك ليقولا:"إن المعرفة أصبحت البديل النهائي، أو المصدر الحاسم للاقتصاد المتقدم"، وهكذا نجد قيمة المعرفة ترتفع أكثر فأكثر. ويعبر ميخائيل ميلكين عن الفكرة نفسها بقوله:" إن رأس المال الإنساني حل محل رأس المال- بالدولارات". وهذه المعرفة كما يراها المؤلفان هي ثمرة النمو الثقافي المتراكم على مدى قرون وآلاف السنين، والتي ورِّثت عن الصين والهند والعرب، وعن طريق التجار الفينيقيين، كما نقلت عن طريق الغربيين، وفي كل جيل كان بعض الناس يتعلمون، ويلائمون بين المعرفة وحاجات زمانهم، وينقلونها من مكان إلى مكان ومن جيل إلى جيل حاصلين من وراء ذلك على مكاسب ضخمة، وينشئون بالتدريج بناءً شامخاً بالاعتماد على النتائج التي توصلوا إليها. واليوم، لم تعد تكتفي بنية المعرفة بمراكمة إضافية للوقائع، بل يحصل إعادة تنظيم إنتاج للمعرفة وتوزيعها من خلال إنشاء شبكات جديدة ترتبط فيما بينها بعلاقات متبادلة، فنحصل على المعرفة الجديدة التي تضاعف سرعة العمليات وتقتصد المكان، وذلك بعد أن أنجزت بنية إلكترونية هائلة، والتي كثيراً ما تقوم على استخدام الأقمار الصناعية، وتصل ما بين مصانع وشركات كثيرة، مشركة إياها في كثير من الأحيان بشبكة حاسوبية، كما تصل بين الزبائن.
والسؤال الثاني الذي يطرح نفسه: إذا كان العرب قد ساهموا في الماضي في بناء المعرفة فما هو حجم مساهمتهم في أيامنا هذه؟. |