من خلال وجهة النظر التي ترى في البساطة لغة للتفاهم يمكن أن تكون الكتابة مطلباً لتجاوز الصعوبة في حينها.. ومن خلال وجهة النظر التي ترى في الصورة حلاً لتجاوز الصعوبة يمكن أن يكون الخط في صورته, في وضوحه ورمزيته تجاوزاً للغة في استدلال إلى معنى؛ هذا عندما لا يكون من سبيل للتفاهم بين البشر إلا في سكنى المعنى الدالّ إلى تاريخ تطوّر هذا الكائن وهيئته ووجوده.. وفي المسافة بين وجهتي النظر, بين الصورة الدالّة إلى معنى والكتابة على هيئة صورة يأتي كتاب "مسيرتا الكتابة والخط وتطوّرهما في بلاد الشام" لمحمود شكر الجبوري الصادر عن دار الشرق للطباعة والنشر 2011 متضمّناً موضوعات تمثّل مسيرتي الكتابة والخط وتطورهما عبر العصور المختلفة, بدءاً من مسيرة الكتابة التي ابتدعها العراقيون القدماء في ببلاد الرافدين قبل خمسة آلاف سنة, والتي تعدّ أعظم وسيلة للتدوين في حياة البشر "وقد تجلّت هذه المسيرة بأن حفظت تراث الإنسان من علوم ومعارف من جيل إلى جيل, وتطوّرت هذه الوسيلة التدوينية عبر مراحل تطورها من الصورية والرمزية والصوتية والمقطعية في بلاد الرافدين, ثم انتقلت الكتابة من العراق إلى الأمم الأخرى للإفادة منها, واستخدمتها الشعوب لتسجيل معطياتها بالكتابة المسمارية"..
وفي تقديمه للكتاب كتب الدكتور نبيل طعمة: "التحضّر الإنساني احتاج لإبداع الوسائل الحضارية واختراعها نظراً لأهمية الوصول والتواصل بين الأفراد, ومن ثم ضمن المجتمعات وكذلك الشعوب والأمم المحيطة القريبة والبعيدة, أي: إن الصورة الأولى لخلقه في أحسن تقويم منحته فرصة رسمها؛ التي أخذت به ليمسك بالريشة ويطورها إلى قلم, ما يسعى إليه باحثنا إلى تعزيز المكتبة العربية بمؤلَّف يشير إلى أن عظمة اللغة العربية ما كانت لتكون لولا تطور مسيرة الكتابة بأساليب صياغة الخطوط ورسمها ونسجها, واشتهار الخطاطين بين بغداد ودمشق, وتوارث مناهجهم أدى للحفاظ على لغتنا العربية.."..
ويبدأ الكتاب دراساته بالحديث عن القطع الرمزية والإشارات ودلالاتها المعنوية ومن ثم ينتقل إلى العصر الشبيه بالكتابي إضافة إلى الكتابة في الحضارة الفرعونية في مصر القديمة وعن انتقال الخط المسماري من العراق إلى الأمم الأخرى وأيضاً يبحث الكتاب في الدور الطليعي للكنعانيين في اختراع أبجدية الكتابة, إضافة إلى اقتباس الآراميين الحروف الأبجدية من الفينيقيين والقيام بنشرها.. كما يخصص الجبوري بحثاً عن الأبجد والأبجدية ومضامينها.. ونقرأ عناوين مثل, الصلات بين الأبجديات وعن الكتابة العربية القديمة ورحلتها إلى الحجاز وكذلك عن الكتابة العربية في ظل الإسلام وانتشار الخط العربي مع الفتوحات الإسلامية ومن ثم ينتقل للحديث عن الخط العربي في بلاد الشام في العصر الأموي, وعن ارتقاء الخط العربي في العصر العباسي..
ومن مشاهير الخطاطين في دمشق وقد ذُكرت أسماؤهم في كتاب "تحفة الخطاطين" كان صالح أفندي وخلفه الأستاذ رسا ومنهم أيضاً محمد أمين الزهدي وأحمد الفواخيري ومحمد حلمي الطرابزوني والحاج أحمد الزيناتي ومصطفى السباعي ومحمد ناظم بك إضافة إلى محمد الحافظ الحمصي الدمشقي وسليم الحنفي وصبحي البيلاني والشيخ محمود علي الحكيم والشيخ حسين البغجاني والشيخ سعيد الشطي وممدوح الشريف وبدوي الديراني وحلمي حباب.. وأما من مشاهير الخطاطين ممن ورد إلى الشام يذكر الكتاب من بلاد فارس: المير عماد الحسني, وصاحب قلم ومشكين قلم وزرين قلم ومحمد علي البهائي كاتب الظفر وعبد الباقي الهروي ورفيع, وغيرهم.. وفي الختام يتحدث الكتاب عن نهضة الخط العربي المعاصرة في بلاد الشام نقرأ: "قُدّر للخط العربي في القطر السوري, أن تؤسس جمعية للخطاطين في دمشق عام 1979م وكان دورها في النهوض بالخط في البداية ضعيفاً.. وقد تمثل نشاط الجمعية في المعارض التي أقامتها أو شاركت بها".. ويلحق الكتاب بصور هي لوحات لأشهر الخطاطين في سورية.. |