كيف يمكن لكتاب "كوكتيل" للدكتور اسكندر لوقا(1929) والصادر عن دار الشرق للطباعة والنشر 2013 كعنوان أن يظهر علانيّةً من "مضمونه"، وكيف يمكن لمضمون يحمل دليل تجربته معه أن يختبئ خلف "عنوانه"؟!.. هذا في العموم نسأل؟!.. أما في التفصيل فلن يكون من كتاب قسّمه مؤلفه إلى ثلاثة فصول تحت العناوين "قطوف من شجرة الحياة" و"قصة قصيرة" و "من نافذتي"، إلا أن ينمّ عن ضبط متقن لباحث عارفٍ يمتهن علاقة مع القارئ تجعل من نصّه بسيطاً إلى الدرجة التي يهيئ فيها القارئ فسحة من الخصوصية تربطه معه حتى من دون أن يعرف أحدهما الآخر أحياناً، وبالمقابل من دون أن يغفل الفكريّ في بساطته تزويد القارئ للاستفادة من تجربة سياسية وفكرية ومعرفية وثقافية وحياتية للوقا لها أهميتها وخصوصيتها أيضاً.. لن نكون هنا بصدد النقدي طالما أن الاكتفاء بالنظرة الجمالية على "كوكتيل" سيكون كافياً لأغراض لحظية الآن لا تريد إلا أن تلقي الضوء على السمات العامة التي ميّزت طريقة تفكير الدكتور اسكندر لوقا على مدى سنوات التجربة الطويلة تلك..
في تقديمه للكتاب نقرأ للدكتور نبيل طعمة: "الصيرورة الفكرية والثقافية تتولد دائماً وأبداً من عالم فكر المفكر، يخطّه على سطور تغدو بصرية عند الآخرين، تتجمّع لتلد بصائر، تشكل بستاناً جميلاً مضمونه مسرح الحياة، يتجسّد الجميع صيغ شركائه، مما يمنح فكره وحلمه أن تتولد من الكل مئات بل آلاف الأفكار، أي: أنه يؤمن بأن فعله ونتاجه يحمل ومضة نور لغاية واحدة، هي إفادة الآخر الذي بدونه يعلم أنه قليل، وهذا في حدِّ ذاته إيثار فريد، يتأتّى من الفكر الواقعي المؤمن بعلمية التطور لهذه الحياة، وضرورات البحث في أسباب وجودها، ليعلم الإنسان أنه السبب الرئيس لاستمرار وجوده فتستمرّ به، ويتواصل العطاء من السابق إلى اللاحق".
يمكننا القول إذاً وعلى نحو مبسّط أن "كوكتيل" يخرج من عنوانه ليدخل إليه من جديد من دون أن يتّجه صاحبه إلى قوننة نظريّة للفعل الإبداعي ولا حتى إلى تأويل فكرة ما والكتابة عنها.. إنها ببساطة حياته.. لها أن تُسقَط على حياتنا ولنا أن نستزيد.. متّجهاً الدكتور لوقا كعادته نحو البساطة في الكتابة ونشر الجمالية في الوجود..
يقول الدكتور لوقا في تقديمه لـ كوكتيل: "في سياق الأفكار والعبر لا العبارات فقط، وكذلك في سياق القصص القصيرة، ثمة ما يسمح لي بالقول إن كتابي هذا أكاد أعتبره القطعة التي تتوسط القلادة على صدر امرأة هاربة من التاريخ لتحكي لنا كمْ هي عانت حتى لقيت دربها التي سارت عليه في رحاب حقل مليء بالشوك يدمي قدميها بديلاً عن امتلائه بأزهار الربيع. إنه كتابي السادس والأربعون الذي خرج إلى النور، بفضل عناية الصديق الدكتور نبيل طعمة، بعد مخاض استمر سنة كاملة بأمل أن يلقى ما يلقاه طفل يولد بعد انتظار لأسرة في بلدي الذي فخر بأبنائه الذين يعقد عليهم أمل قدرتهم على تبديد الغيمة السوداء التي تحاول سرقة أشعة الشمس ولا تريد الاعتراف بأن ما بعد الليل لابد أن ينبثق الضوء إن لم يكن اليوم فغداً إلى ناظره قريب". |