وكأنه وفي اللحظة التي تمكّن فيها "بين الحب والآه" كعمل أدبي مدرج تحت تصنيف "خواطر شعرية" للدكتور نبيل طعمة والصادر عن دار الشرق للطباعة والنشر 2013، أن يقطع العلاقة مع توقع قرائه، يلجأ طعمة إلى استعمال شكل جماليّ جديد مؤكداً على الجدّة من خلال جعل قارئه يواجه أسئلة لم تتمكّن حتى لحظة القراءة تلك من أن تجيب عنها الأخلاق الإنسانية من جهة والأخلاق الدينية من جهة أخرى؛ هذا عندما يكون الافتراض بأنه لا مجال للفصل بين الاثنين ونقصد هنا الإنساني والديني!!..
تأتي خواطر "بين الحب والآه" بشكل فكري يتّصل من خلال الذهنيّة الشعرية التي يمتلكها طعمة بمكوّنات تجعل من القدرة الإبداعية عند الكاتب موجّهة سلفاً من تجربة حياتية فكرية فلسفية تأملية؛ وليتحوّل العمل الفني "بين الحب والآه" إلى شكل من الفنون الأدبية، تلك القادرة بفعل جدّة الشكل وغنى المضمون، على قطع آلية الإدراك التقليدي لقراءة النصّ الأدبي بكافة أشكاله، طالما أن النصوص التي يضمّها "بين الحب والآه" تمتلك من الجرأة ما يكفي لجعل الافتراض القائل بثبات الصورة الأدبية في شكلها، قابلاً للجدل والنقاش والنسف أيضاً.. لتبقى الوظيفة الأساسية هي للفكرة والمفكّر..
البحث في مضامين "بين الحب والآه" يؤكد على سعي الدكتور طعمة إلى بناء علاقة بين نصّه وقارئه؛ مؤكداً على أن تلك العلاقة لا يمكن لها أن تتحقّق إلا تبعاً لمساحة من التأمل يدعو إليها قراءه دائماً، هذا من جانب ومن جانب آخر فإن تلك العلاقة التي يؤكد عليها تتحقّق ضمن مساحة من الأخلاق هي الركيزة الأساسية لتفعيل دور الحساسية الفنية من دون أن تكون تلك الحساسية وسيلة لتضييع الفكرة المراد تحقيقها سواء من خلال نصّ يبحث في السياسة أو نصّ يبحث في الحب أو نصّ يبحث في كليهما معاً..
من الواضح أن طعمة يكتب نصوصه عن خلفية تجربة حياة يومية معاشة بكل تفاصيلها، مروّضاً تلك التفاصيل عبر عملية تأملية فكرية إلى شكل من أشكال المتعة الأدبية وناقلاً إلى قارئه البعد الأخلاقي لكل سؤال ولكل جواب.. لكلّ شكٍّ ولكلِّ يقين.. طالما أن الوظيفة الأساسية للإبداع هي طرح السؤال حتى وإن لم يتمكّن في اللحظة القريبة من إيجاد جواب أو ما يعادله.. نقرأ لطعمة: (شهدوا على/فعل الجماع/ووثقوه/ورافقوا فضّ البكارة/وتابعوه/فإذا فعلنا/في الحب مثله/وكنت أنت الشاهد/فلماذا حرّموه..؟!).
وكأنه عند قراءة نصوص "بين الحب والآه" سيكون على القارئ حتماً أن يصدّق كل التحوّلات الممكن حدوثها والتي تطرأ على المعنى تبعاً لكل تحولات السيرورة الاجتماعية والدينية والأخلاقية والتي يتعذّر على الوعي المجرّد من تأملاته إدراكها في حقيقتها.. نقرأ أيضاً: (طالبتنا بالحب/للأنثى/ومنعت عنّا الاقتراب/فإذا فعلنا واقتربنا/قالوا لنا هذا حرام/بدون الزفة/والهيصة/لا يمكن أن يتمّ/الاعتراف)..
تقود نصوص "بين الحب والآه" تباعاً من تصوّر أحادي بسيط إلى تصوّر جدليّ للتاريخ والفكر والإنسان، كونها تبرز سجالاً بين الفكرة والصورة في صلات وصل وعلاقات حافظت على توازناتها رغم كل التكثيف والاختزال..
وكأن "بين الحب والآه" ليس سوى دليل على أن الأساليب والأجناس والأشكال والتصورات والأفكار والنهضات والتي يراها كثير من النقاد ظواهر ثابتة، يمكن أن تكون ظواهر مفتوحة تظهر متحركة في الأفق تحمل دلالاتها الحداثة وتأويلاتها وكأنها دليل على التأريخ والتاريخ أيضاً في فكرة.. هكذا يكتب الدكتور طعمة نصوصه وكأن كل الأشياء في هذا الكون هي أفكار تنتظر من يلتقطها في حالة تأملية تنجب خصوصية لا مثيل لها.. |