في كتابه (الشرق الأوسط ولغة الإعلام والسياسة بين الحقيقة والفضيحة) والصادر عن دار الشرق للطباعة والنشر 2011 لا يترك السفير عبد الفتاح عمورة, للمعنى غموضاً طالما إنه وفي هذا الجزء الأول من الكتاب - طرق التحليل والترجمة؛ يركّز على ضرورة التعوّد على تقديم الحقيقة بكل ما تحمله من حقيقة, طالما أن الحقيقة ليست إلا تنمية الفكر الإنساني بأحلى صورة.. إنه لا يترك مجالاً مفتوحاً أمام معنى غامض يمكن أن يحمله الكلام السياسي؛ إذ صاغ عمورة الفكرة المراد إيصالها بكلمات واضحة معتمداً على الشكل الشبكي وشكل مكعبات ليتمكن القارئ من التأمّل والتدقيق في أوجهها كافة ومن ثم الدخول إلى مضمونها وجوهرها..
في الكتاب لا يمكن أن يكون هناك تسليم تجاه معنى مضمر حمله تصريح صحفي أو أي كان، ولا يمكن أن يقف القارئ بجمود أمام فقرة ونصّ؛ طالما أن الكاتب قد امتلك من الفكر النوعي الكثير من جهة وطالما أنه امتلك بالمقابل أدوات لغوية وتحليلية مكنته من نقل ذلك الفكر النوعي إلى القارئ بكل أطيافه علّه يكون أمام ما يقدّم إليه من الإعلام الغربي عارفاً بأدق أدق التفاصيل.. وإن اتباع عبد الفتاح عمورة لتلك الطريقة الجذّابة التي تناول بها أفكاره؛ جعل من المادة "المتضمنها" الكتاب في مستوى مماثل تماماً للفكرة التي وجدت مسبقاً في فكر عمورة قبل محاولة تجسيدها في كتاب..
في تقديمه للكتاب يقول الدكتور نبيل طعمة: " إن مؤلفنا دخل عالم الأثر باسمه الكبير وتواضعه الجميل, إنه السفير عبد الفتاح عمورة صاحب مخطوطنا الهام والعاجل, وإني لعلى ثقة بأن كل من يمرّ عليه ويلمحه ناظراه سيتناوله لا محالة, أولاً من باب إغراء عنوانه, وثانياً وهو الأهمّ لقيمته المعرفية في فنّ التحليل والمصطلح, وما جرى من متغيرات صاغت رؤى دولية جديدة, أثرت على السلوك الإنساني من خلال استعراضه واختراقه للثورات السياسية والاقتصادية والمعلوماتية الحديثة بأدواتها, مقدماً لرجالات الصحافة والإعلام والسياسة لغة دبلوماسية راقية, فيها الكثير من الإيضاح والكشف والعلم والفهم"..
يأتي الكتاب في ثمانية فصول, يتناول الفصل الأول تحليل الكلام الصحفي والسياسي مبيناً عبد الفتاح عمورة في هذا الفصل أهمية المفهوم اللغوي لفهم التصريح السياسي وأبعاده وخطوات التحليل والقواعد اللغوية والسياسية والفكرية المتبعة, ويظهر عمورة ذلك من خلال تشريح اللغة المستخدمة كما ينظر إليها علماء اللغة والفلسفة والاجتماع.. إنه يقيم ربطاً لغوياً لمختلف مكونات اللغة وعناصرها اللغوية الاجتماعية والسياسية والثقافية والسياقية.. ببساطة إنه كاتب يبحث في كتابه عن المضمون الحقيقي لأبعاد الكلام.. ويعتبر عمورة إنه من خلال تحليل الكلام يمكن للمرء أن يفهم وجهات نظر وآراء المتكلم: ".. ولهذا فإن تحليل الكلام يركز على سياق الكلام من مقابلة صحفية أو كلمة سياسية, ويتراوح بين وصف لغة النص إلى تفسير صياغة المعنى, وإيصال المفهوم في ظروف معينة من خلال التحليل الناقد لإيديولوجية الكلام, والدخول في نظام صياغة المعنى ووسائل صياغة الكلام".. كما يتطرق في هذا الفصل إلى قواعد التحليل وإيديولوجية الكلام- النص, إضافة إلى أساليب الصحافة الغربية في تمرير إيديولوجيتها ودور وسائل الإعلام في تكريس تلك الإيديولوجية.. كما يخصّص حديثاً عن الابتزاز الأخلاقي الذي تمارسه بعضٌ من وسائل الإعلام تلك..
وفي الفصل الثاني من الكتاب وتحت عنوان (الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان وطريقة تحليل تصريحات المسؤولين الإسرائيليين بشأنها) يحاول عمورة أن: "أحلل تصريحات رئيس وزراء إسرائيل, إيهود باراك, ووزير خارجيته ديفيد ليفي, بخصوص الأحداث الأخيرة في لبنان وعملية السلام والانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان في محاولة لفهم عمق مدلولات تلك التصريحات وما يمكن أن تعنيه من عمل مستقبلي, وكيف تعاملت معها الصحف, ووكالات الأنباء العالمية والصحافة الهندية".. ومعتمداً على قدرة المحلل اللغوي السياسي في تحليل التصريح والكلام؛ طالما أنه يحلل على أساس إيمانه بأن اللغة المستعملة هي غطاء للفكر, والتراكيب اللغوية بمفرداتها وعباراتها وصورها واللهجة التي ينطق بها الكلام وكذلك المعاني, وتعطي جميعها من المؤشرات الكافية على عمق المدلول الآيديولوجي للتصريح وللكلام..
أما في الفصل الثالث فيتناول الكتاب بنية الخبر الصحفي وطريقة تحليل مضمونه, طالما أن الصحفيين يكتبون قصصاً وليس مقالات؛ وفي قصة يوجد بنية وعنوان ورسالة ووجهة نظر.. أما المقالات فلا تحتوي على ذلك.. وفي الفصل الرابع وتحت عنوان (قمة جنيف ووسائل الإعلام العالمية والهندية) أيضاً يركز مثل الفصل الثالث على بنية الخبر الصحفي مميزاً بين الخبر الصحفي والخبر الإذاعي؛ وبيّن في الفصل طريقتين للتحليل, هما طريقة التحليل الأفقي وطريقة التحليل العمودي الهرمي للتصريح السياسي, مسقطاً هاتين الطريقتين على تصريحات باراك والمسؤولين الإسرائيليين قبيل مباحثات شيفيردز تاون وبعدها تجاه مفهومهم للسلام وقرار إسرائيل الانسحاب من لبنان, وذلك حتى قمة جنيف للخروج بالمفهوم الإسرائيلي للسلام..
وينتقل عمورة في الفصل الخامس وتحت عنوان (دور الفعل الأدائي في تحليل الكلام) إلى فهم البعد الحقيقي للتصريح السياسي ومدلولاته السياسية والآيديولوجية العميقة بعيداً عن المعنى السطحي للكلام. لينتقل في الفصل السادس إلى الحديث عن ضرورات الترجمة في فهم الكلام ومحاولة البحث عن مدلولاته, ومن ثم محاولة البحث عن مرادفات لمكونات الكلام من جميع عناصره النحوية القواعدية والبراغماتية لترك ذات المعنى والأثر.. وفي الفصل السابع يفصّل عمورة في حديثه عن لغة الصحافة ومميزاتها وآيديولوجية الخبر والتقرير الصحفي وآلية الترجمة بين العربية والإنكليزية ومشاكلها.. أما في الفصل الثامن والأخير وتحت عنوان لغة السياسة والترجمة يكتب عمورة " غالباً ما تتميز لغة السياسة بالغموض وعدم الدقة والتكرار, لأن السياسي يدور حول معانيه ولا يطرحها بشكل مباشر, وذلك من خلال استخدام اللغة وسيلة لخدمة أهدافه, ولهذا يرى علماء اللغة عدم دقة واكتمال معاني بعض مفردات اللغة السياسية |